- لقد تعرفنا في الجزء الأول من المقال على النزعة الذاتية في شعر «إيليا أبو ماضي» وأبيات من شعره تتجلى فيها هذه النزعة بوضوح، والآن لِنُكمل رحلتنا مع هذا الشاعر الرائع.
- هذه النتفة الشعرية تحوي ملامحًا واضحة للمذهب الرومانسي فهو يرصد لنا «الطبيعة، والنزعة الإنسانية، والبساطة والتفاؤل الروحي، والإخلاص في التعبير عن الوجدان، والوطنية التي يتشوق فيها إلى لقاء وطنه لبنان».
- **ماذا تُمثل الطبيعة للشاعر «إيليا أبو ماضي»؟**
- الطبيعة بالنسبة «لإيليا أبو ماضي» هي التأمل في خلق الله تعالى، بل هي المحاكاة الشعرية لكل ظواهرها وتصوراتها في المخيلة الشعرية له، فهو يقول:
**ولقد نظرت إلى الحمائم في الربى...فعجبت من حال الأنام وحالها للشوك حظ الورد من تغردها.....وشركه من بعد إعوالها**
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25866/pexels-photo-414181.jpeg)
- ويقول:
**إذا أنا لم أجد حقلًا مريعًا ...... خلقت الحقل في روحي وذهني فكادت تملأ الأثمار كفّي ..... ويعبق بالشذى الفواح ردني**
- يستنطق «إيليا أبو ماضي» الطبيعة استنطاقًا، فإن غاب عنه المظهر الذي يبحث عنه في الواقع استجلب الصورة في ذهنه ومخيلته، وبنى الفكرة الجمالية للطبيعة بأسلوب وهمي قادر على خلق الدلالة التي يبتغيِها، فتتجلى تمثُلات الشعرية في قصائده.
- وترتسم تفاصيل الأناقة الفكرية في مفردات قصيدة، وتُحاك شرانق الشعر في غمار الطبيعة الساحرة، والطبيعة عند إيليا صنفان:
**1-طبيعة واقعية:**
- وهي تلك الطبيعة الفعلية في الوجود، التي ترى بالعين المجردة التي يعيشها ويتحسسها ويُحاكيها ويأخذ منها عبق الشعر.
**ب -الطبيعة الخيالية:**
- وهي التي تُنسج في خياله، ويصنعها وفقًا لسياق شعره، ويُكيفها بناء للحظة الإلهام التي تتولد لديه.
- الطبيعة هي بؤرة التناسل الشعري عند إيليا لأنه استطاع أن يفهمها بعمق، كما تمكن من التغلغل في أغوارها ومحاورتها، فقد أحدث تثاقبًا روحيًا مع هذه الملهمة المتغيرة (صامتة متكلمة، هادئة غاضبة، حزينة سعيدة.
- يقول:
**فالزهرة في الحقل أشلاء مبعثرة ..... والطير لا طائر إلا جناحاك يا روضة في سماء الأرض طائرة ..... وطائرا كالأقاحي ذا شذى ذاك مضى عهد مع الصيف كنت لاهية ... وللأزهار من الاحتلام ضحاك تُمسين عند مجاري الماء نائمة ...... وللأزهار والأعشاب مغداك**
- ويقول أيضا:
**كم تشتكي وتقولُ إنك مُعدم ...والأرض ملكك والسماء و الأنجم. ولك الحقول وزهرها وأريجها ... ونسيمها والبلبل المرنم. والماء حولك فضة رقراقة ....والشمس فوقك عسجد يتضرم**
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25866/pexels-photo-167271.jpeg)
- القارئ لهذه الأبيات يُلاحظ هذا التمسك بالطبيعة، والولع الشديد بها، فهي المُلهمة التي يتأملها الشاعر ويستقي منها إبداعاته، ويُثري بها خياله، فيحسن التصوير، ويُجيد بواسطتها التدبر والتدبير، إذ لا يكاد يخلو بيت من رمز من رموز الطبيعة الحية.
**يا نغمة تتلاشى كلما بعدت ......إن غبت عن مسمعي ما غاب معناك**
- يُمكِننا القول أن شعر «إيليا أبو ماضي» قد استوعب كل مبادئ الرومانسية:
**1 ــ** **طغيان الجانب الذاتي على القصيدة:**
- حيث وصف الشاعر تجاربه التي عاشها مثل:
**وأظنهم قد أدركوا لا أدركوا ما في ضميري.**
**2 ــ** **سهولة اللغة وبساطتها:**
- استخدم الشاعر اللغة الحية في قصيدته وتُعني اللغة الحية (استخدام الألفاظ التي لها صفة الشهرة على اللسان العربي) مثل :
**دمية حسناء تُغري النظرا.....أم ملاك طاهر فوق الثرى؟ طفلة ساذجة أطهر من ...... زهرة الروض وأنقى جوهرا**
**3 ــ** **الوحدة العضوية:**
- تحققت الوحدة العضوية في أغلب النصوص:
- وحدة الموضوع من حيث وصف حالته .
- وحدة الجو النفسي فقد كان يسيطر عليه شعوران متناقضان (حزن أو سعادة، تفاؤل أو تشاؤم، وفي بعض الأحيان حالات انتقالية من شعور لآخر).
**4 ــ** **ترتيب الأفكار وتسلسلها وترابطها**
- حيث لا يُمكن تقديم بيت أو تأخيره.
**5 ــ** **النزعة الإنسانية.**
**6 ـ** **الامتزاج بالطبيعة:**
- مثل :
**جاء الشتاء جيئة المفاجئ .... فكأنما قد كان في الرتاج فجمد السائل في الزجاج ..... واكتست الأرض بمثل العاج**
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25866/pexels-photo-414459.jpeg)
- تمخضت هذه الدراسة عن جملة من النتائج المتوصل إليها، بعد جهد من البحث والعمل على تحليل الآراء النقدية التي طُرحت بخصوص الذاتية في النقد العربي المعاصر، وقد خلصنا إلى ما يلي:
- تأثر «إيليا أبو ماضي» بالمذهب الرومانسي المُمجد للطبيعة والذاتية.
- الحزن، التفاؤل، التشاؤم، الطبيعة، والذات هي المواضيع التي جعلها «إيليا أبو ماضي» محور كتاباته الشعرية.
- «إيليا أبو ماضي» على غرار الشعراء العرب الذين تقمصوا مبادئ الرومانسية وحاولوا تجسيدها في مؤلفاتهم النقدية.
-----------
------------
**المصادر:**
1. قصيدة النهر المتجمد لميخائيل نعيمة.
2. إيليا أبو ماضي، الديوان: قصيدة تأملات، قصيدة الخمائل.
3. -إيليا أبو ماضي، ديوان الجداول، قصيدة كم تشتكي.
------------
إعداد: [حيزية كروش](https://www.nafham.com/profile/625636)
مراجعة: [هند يونس](https://www.nafham.com/profile/561712)
إشراف: [سماء إبراهيم](https://www.nafham.com/profile/379932)
التعليقات