- يُعد «التصوف» أحد الأنماط الشعرية التي أقبل عليها الزُهاد والمتورعون، فأخذوا يُنظمون القصائد الصوفية، ويتفننون في التغزل بالذات الإلهية وإبراز المشاعر الجياشة، فانكبوا على سكب المفردات في شرانق شعرية تُفيض بالأحاسيس الصادقة.
- فجعلوا من الموسيقى الشعرية وسيلة للتعبير عن مكنوناتهم، فكان الإيقاع أحد الميزات الصوتية التي تفردت بها الرقعة الصوفية من الخريطة الشعرية، إذ تتميز بنبرتها الحزينة المُفعمة بالعشق الإلهي، والمُشبعة بنغمات الحب المُتدفق، ومُترنمة بألحان الوجود الروحاني.
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25867/20151101130020.jpg)
- **مفهوم التصوف:**
- التصوف كغيره من المصطلحات التي استقطبت الفلاسفة والعلمانيين، فأخذوا يبحثون عن مفاهيم اصطلاحية له، على غرار المصطلحات الأخرى، إذ نجد في هذا المضمار تعريفات عديدة ومتنوعة، متضاربة من حيث الزيادة أو النقصان.
- نذكر منها قول ابن خلدون: **«أنه العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق والخلوة للعباد»**
- تطهير القلب من كل الصفات البشرية، وإعطاء صبغة متميزة من النقاء الخالص، والصفاء المُتماهي بقدسية المشاعر، وماسية الوجدان، فلا يملك القلب إلا ربه وبعده الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- التصوف فلسفة نابعة من تعمق فكري، وأسلوب خاص لتحقيق السعادة الروحية، ليُعبر عنها بلغة وألفاظ وجدانية ذاتية في العلم الروحاني حيثُ المثالية المطلقة.
- وتُنسب الصوفية إلى الصوف؛ لأنه غالب لباس الزهاد من القدماء.
- أو إلى أهل الصفة.
- وقيل نسبة إلى الصف المتقدم بين يدي الله وقيل كذلك نسبة إلى الصفوة من خلق الله.
- كما قيل نسبة إلى «صوفة بن بشر بن أحد بن طانجة» قبيلة من العرب.
- إلا أن الراجح هو أن هذه التسمية أُطلقت عليهم نسبة للبسهم الصوف كما ذُكر سابقًا.
- من المُلاحظ أن العلماء لم يتفقوا على سبب محدد لهذا الاصطلاح، فلجؤوا إلى الترجيح، واعتماد النتائج النسبية، كما عرفه بأنه:
- **«رياضة روحية تهدف للوصول إلى الله والاتحاد به؛ فقد استتبع الحب الإلهي».**
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25867/e1038ee69f15c1a67af6d2a21e440861-720x320.jpg)
- **مضامين الشعر الصوفي و أغراضه:**
- يُعد التصوف مرحلة مُتقدمة من الاستغراق الروحي تزول فيها الحُجب والحواجز الحسية؛ ليرى فيها المتصوف مالا يراه غيره من الحقائق المغيبة، وقد يصل في آخرها إلى الحضرة الإلهية، وقد تضمنت أفكارهم زُهدًا وتقشفًا وابتعادًا عن الملذات، حيث كان حاصل تفكيرهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله، وتحليته بذكره تعالى.
- وتبدأ النظرة الصوفية عندما يحس المتصوف بأن أمرًا كان مُلغزًا قد انزاح عنه الحجاب؛ فانكشفت له الحقيقة المخبأة وراء ذلك الحجاب، وهي رؤية بالبصيرة لا بالبصر» فرؤية المتصوف الشاعر شبيهة برؤية الفنان والعاشق الولهان بموضوع حبه، والمتصوف يغمس روحه في ضوء اليقين غمسًا».
- تقوم فكرة التصوف على نوع من الاتحاد الروحي بالعالم السماوي، وتُبني ذاتًا عاشقة للإله؛ ليكون الإنسان هيكلًا مصغرًا للعالم كله، أسهمت صفات الله العليا في خلقه، فيمضي المتصوف في هذا الطريق صاعدًا إلى المحبوب، فيعبر خلال رحلته إلى الله أعلى درجات التأمل و التعمق، ليصل إلى السعادة المطلقة، متخلقًا بأحسن الصفات.
- فالجنة هي فرط السرور بالاتحاد مع الله أو القرب منه والنار هي الألم المنبعث نتيجة البعد والانفصال عنه، وهذا نوع من ولع الصوفية بتأويل مصطلحات العقيدة (الجنة و النار) حسب رؤى خاصة بهم.
- كما قد تميل عقول المتصوفة إلى محاولات معتدلة **«تبحث عن الهدوء العقلي في حالة الجذب والجد».**
- التصوف الكامل أو الحقيقي في نظر ابن سينا، والغزالي والسهروردي وإن تباينت منطلقاتهم يقوم على: «العمل، والخلق، والمحبة»:
- ويتضمن الطور الأول من التجربة الصوفية إشراقًا «النور الذي يعم القلب» يملأ روح المتصوف وقلبه، فيصل إلى أوجه في حالة الرؤيا والنشوة والوجد ويكون فيه اتحاد المتصوف بالله اتحادًا جزئيًا.
- أما الطور الثاني فيتعداه إلى اتحاد كلي.
- كل ما سبق هذا لا يُعني الإيمان بتلك الألفاظ الموهمة التي يُعبر عنها بالشطحات الصوفية كقول أحدهم: أنا الله والله أنا، في التعبير عن فرط اتحاده بالله، وهذا الأمر أنكره كل فقهاء الإسلام وطرحوه وحذروا منه «وأخذهم به أهل الشرع و سلف المتصوفة من أهل الرسالة أعلام الملة لم يكن لهم حرص على كشف الحجاب، ولا هذا النوع من الإدراك، إنما كان همهم الاتباع والاقتداء ما استطاعوا».
-----------
------------
**المصادر:**
1. ابن خلدون.
2. ابن تيمية، الفتاوي الكبرى.
3. عبد الحكيم حسان، التصوف في الشعر العربي.
4. زكي نجيب محمود، المعقول واللامعقول من تراثنا الفكري.
5. ويليم جيمس، العقل والدين.
6. صادق جلال عظيم، دراسات في الفلسفة الغربية الحديثة.
7. النووي، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين.
------------
إعداد: [حيزية كروش](https://www.nafham.com/profile/625636)
مراجعة: [هند يونس](https://www.nafham.com/profile/561712)
إشراف: [سماء إبراهيم](https://www.nafham.com/profile/379932)
التعليقات