كانت كوريا الجنوبية من أفقر دول العالم لكنها تغلبت على قلة الموارد لتصبح من أقوى خمسة عشر اقتصاد على مستوى العالم فيما عرف بمعجزة نهر هان، فكيف ذلك؟
![](http://www.nafham.com/uploads/blog/25654/korea%202.jpg)
عام 1945 نالت كوريا استقلالها من الاحتلال اليابانى، لكن الحرب الكورية اندلعت بين الكوريتين لتحصد أكثر من 50 ألف قتيل وخمسة ملايين مصاب، وتركت كوريا فى مشاكلها الاقتصادية مدمرة بالحرب وبلا قطرة بترول واحدة. فما الذى فعلته كوريا الجنوبية لتصبح على ما هى عليه الآن؟ ثلاثة دروس متعلقة بالتعليم، والاقتصاد، والمجتمع تنير الطريق لكل دولة تمر بأزمة.
أول الدروس المستفادة هو الاهتمام بالتعليم وكان ذلك من خلال قرار الحكومة الكورية أن يصبح التعليم الأساسى إلزاميا، قابله رغبة من أولياء الأمور الكوريين بأن يتعلم أبنائهم رغم الفقر والحاضر المدقع، ليكونوا نواة المستقبل. وليس غريبا أن أساس العمالة الكورية التى صنعت نهضة كوريا الاقتصادية لاحقا جاء نتيجة هذا القرار.
الدرس الثانى المستفاد من كوريا الجنوبية فى طريقها نحو التقدم كانت الاهتمام بالتخطيط الاقتصادى قصير وطويل المدى. كانت كوريا الجنوبية تعتمد بالأساس فى 97% من ميزانيتها على المعونات الأجنبية، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية وجهود اعادة الإعمار التى ما إن تمت حتى توقفت المعونة، لتترك كوريا الجنوبية فى مأزق اقتصادى كان أبرز ملامحه فقدان العملة الكورية نصف قيمتها أمام الدولار عام 1961.
رفعت كوريا شعار التنمية أولا، وأنشأت مجلس التخطيط الاقتصادى، ووضعت خطة اقتصادية خمسية تبدأ من عام 1962. قابلت كوريا الجنوبية مشكلة آنذاك فى توفير رأس المال والعملة الصعبة اللازمة للتخطيط، وتعاملت معها بعدة حلول خارج الصندوق، مثل ابتعاث الأيدى العاملة الكورية للعمل فى مناجم ألمانيا الغربية فى الفترة بين 1963 و1977 مع الاستفادة من الحوالات المرسلة لدعم الاقتصاد الكورى.
![](http://www.nafham.com/uploads/blog/25654/south korea factory.jpg)
اهتمت كوريا الجنوبية بالتصدير ووضعت استراتيجية الاقتصاد القائم على الصادرات، لا سيما مع عدد المصدرين القليل الموجود فى السوق العالمى آنذاك. فى منتصف الستينات كان الاقتصاد الكورى لا يزال ضعيفا، فقررت البدء بالصناعات الخفيفة التى لا تحمل مخاطرة كبيرة ولا تحتاج رأس مال كبير. بدأت كوريا الجنوبية بصناعات النسيج وأعمال الحياكة اليدوية وباروكة الرأس لتصبح رقم 1 عالميا فى صادرات النسيج فى فترة وجيزة وتساهم فى تحسن الاقتصاد الكورى.
لم يكن الرهان على الصناعات الخفيفة ليستمر طويلا مع قلة أجور العاملين التى قد تعطل منافسة السوق العالمى، فتحولت كوريا للصناعات الثقيلة فى السبعينات والثمانينات، من خلال مشروع عملاق تمثل فى بدء بناء شركة بوهانج للحديد والصلب عام 1970. كل دراسات الجدوى الأجنبية ألقت ظلالا كبيرة من الشك حول نجاح المشروع، وقللت الولايات المتحدة الأمريكية من امكانية انجاز كوريا الجنوبية للمشروع بنجاح. إلا أن بوهانج تحول ليصبح المشروع القومى وينتهى العمل منه عام 1973.
ورغم أن كوريا بدأت متأخرة عن الدول المتقدمة فى مجال صناعات الحديد والصلب بنصف قرن، إلا أن عام 2009 شهد احتلال كوريا الجنوبية المرتبة الرابعة عالميا فى انتاج الصلب. وساهم التقدم الكبير فى هذا الصدد فى تعزيز صناعة السيارات والمركبات.
![](http://www.nafham.com/uploads/blog/25654/posco.jpg)
وشهدت التسعينات دخول كوريا الجنوبية مجال الصناعات التكنولوجية بدون اهمال الصناعات الثقيلة، لتنتشر أجهزة الكمبيوتر والمحمول الكورية فى كل منازل وشركات العالم، كل ذلك بفضل أن التصدير هو الهدف الأساسى للمشروع الاقتصادى الكورى.
ثالث الدروس كان مساهمة المجتمع الكورى فى نهضة كوريا الجنوبية الاقتصادية. أبرز مثال على ذلك هو حركة المجتمع الجديد أو المعروفة باسم حركة سايمول، وهى مبادرة أطلقتها الحكومة الكورية فى السبعينات لتطوير الاقتصاد الكورى الجنوبى. كان هدف تلك المبادرة تقليل الفوارق الاجتماعية فى مستوى المعيشة بين الحضر والريف، من خلال تحسين البينة التحتية فى القرى الصغيرة الغارقة فى الفقر.
وتمثلت هذه المبادرة فى توظيف القيم الأخلاقية والعمل الجماعى لدى المواطن الكورى من أجل ترسيخ فكرة اخدم نفسك بنفسك. تعهدت الحكومة بتوفير مواد خام مجانية لكل قرية مشاركة فى المبادرة، مثل الحديد والأسمنت. وكلما نجحت قرية فى استغلال هذه الموارد بنجاح وفاعلية فى تطوير بنيتها التحتية يستمر الدعم الحكومى. وبالتدريج، انتقلت ثقافة العمل الجماعى للمجتمع الكورى بأسره، ولم تقتصر على القرى والمواطن البسيط.
![](http://www.nafham.com/uploads/blog/25654/korea.jpg)
مثال آخر على المسئولية المجتمعية يبرز عندما سقطت النمور الأسيوية عام 1997 فى أزمة مالية طاحنة نتيجة انخفاض قيمة العملات، لم تسلم كوريا الجنوبية وتعرضت للعديد من الانتكاسات أبرزها اعلاميا كان اغلاق شركة دايو نتيجة الديون. اضطرت كوريا الجنوبية للاقتراض من صندوق النقد الدولى، وقامت بالعديد من الاصلاحات الحكومية مختصة بالأساس بسوق العمل لرفع الانتاج والاستفادة القصوى من الموارد.
الجميل فى الأمر كان انضمام الشعب الكورى بمختلف أطيافه للمشاركة فيما عرف باسم حملة الذهب القومية عام 1998، إذ قام الكوريون بتقديم مقتنياتهم الذهبية الثمينة للدولة لتقوم بإذابتها وبيعها لرفع الاقتصاد القومى، وهو ما نجحت فيه كوريا الجنوبية لتسدد دين صندوق النقد الدولى قبل ميعاد استحقاقه، وتنطلق من جديد فى طريق النمو الاقتصادى بعدما كانت يوما ما من أفقر دول العالم.
مراجعة : [سماء اسكندر](https://www.nafham.com/profile/379932)
إشراف : [محمد جودة](https://www.nafham.com/profile/331)
التعليقات